بعد مرور ما يقارب الست سنوات منذ إطلاق الشرارة الأولى، لعبة Death Stranding 2: On the Beach، تلك التحفة الفنية التي أبدعتها أنامل Kojima Productions، تتربع أخيرًا على عرش منصة PS5 لتستقبلها الجماهير بترحاب بالغ، وتحصد إشادة نقدية منقطعة النظير، لتتبوأ مكانة مرموقة بين ألعاب هذا العام الأكثر حصولًا على التقييمات العالية، وهو إنجاز جلل بالنظر إلى شراسة المنافسة في هذا المضمار. وبالرغم من وجود عوامل جذب جمة في هذا الإصدار الجديد – بدءًا من نظام القتال المبتكر والاستكشاف المثير، وصولًا إلى القصة الآسرة والشخصيات التي لا تُنسى – فإن الجزء الثاني يزخر أيضًا بسيل من التحسينات الجوهرية والتعديلات القيّمة التي ترتقي بتجربة اللعب مقارنةً بالنسخة الأصلية. وبالطبع، وكعادة ألعاب هيديو كوجيما، لا بد من وجود ترسانة هائلة من التفاصيل الدقيقة المخبأة التي تنتظر من يكتشفها.

ias
بعض هذه اللمسات الخفية قد لا تتضح للعيان في الوهلة الأولى، حتى بعد قضاء ساعات طويلة في استكشاف العالم الافتراضي، بينما يتجسد البعض الآخر في مؤثرات بصرية أو تفاعلية آسرة تخطف الألباب داخل اللعبة، والآن هيا بنا ننطلق في رحلة استكشافية للكشف عن تلك التفاصيل الساحرة.
  • بإمكانكم استعراض الجزء الأول من هذا المقال من هنا.

تفاصيل التضاريس

من بين الجوانب التي تستحوذ على الانتباه في Death Stranding 2: On the Beach هي السمو في تصميم العالم والتضاريس الطبيعية الخلابة. لقد بات جليًا أن Kojima Productions أولت اهتمامًا مضاعفًا لمفهوم الارتفاع والانحدار في هذا الجزء، حيث تتألق خريطة اللعبة بمستويات تضاريس متباينة ومعقدة تحاكي الواقع ببراعة فائقة.

ويُعد تصميم الجبال المستوحاة من طبيعة أستراليا مثالًا ساطعًا على هذا الاهتمام، حيث يمثل قمة الإبداع في تجسيد البيئات داخل اللعبة، بفضل المنحدرات الحادة والحواف الطبيعية التي تبعث على الشعور بالواقعية المطلقة. هنا، لا وجود للأشكال المكررة أو الأنماط النمطية التي اعتدنا رؤيتها في بعض الألعاب، بل تتجلى الجبال وكأنها منحوتة يدويًا بتفاوتات دقيقة ومتقنة. ناهيك عن ذلك، فإنه خلال تجوالك في أرجاء العالم، ستجد نفسك محاطًا بغابات كثيفة وسهول عشبية مترامية الأطراف، تنبض كل منها بالحياة بأسلوبها الفريد. فالحركة الرشيقة للنباتات، وتفاعلها الساحر مع هبات الرياح، والألوان المتغيرة التي تتراقص مع الإضاءة، تضفي على كل منطقة طابعًا مميزًا. كل هذه العوامل المتضافرة تجعل اللعبة بمثابة كنز دفين لعشاق التصوير داخل الألعاب، حيث يمكن لأي زاوية أن تتحول إلى تحفة فنية بحد ذاتها.

عواصف الغبار (Dustborn)

على الرغم من أن تصميم نماذج الشخصيات يتسم بواقعية مذهلة، إلا أنها تزداد تألقًا وروعة عند تفاعلها مع البيئة المحيطة، وخاصةً أثناء المرور عبر عواصف الغبار. ففي تلك اللحظات العصيبة، تتسامى التفاصيل البصرية إلى مستوى فني رفيع. عندما يقتحم سام منطقة عاصفة، يبدأ وجهه بالتغطي بطبقة رقيقة من الغبار تدريجيًا. تظهر آثار الغبار بجلاء على نظارته الواقية، وملابسه الأنيقة، والحقائب التي يحملها، بل وحتى على شعر وجهه، كاللحية والشارب. ولا تقتصر التأثيرات على الشخصية فحسب، بل تمتد لتشمل البيئة المحيطة: فالسيارات المهجورة والهياكل المعدنية تكتسي بطبقات من الغبار المتراكم، مما يمنح العالم طابعًا ملموسًا يحاكي الصور الحقيقية. وحتى Odradek – الجهاز الرفيق لسام – لم يسلم من تأثيرات العاصفة، حيث يغمره الغبار وتتباطأ حركته بشكل ملحوظ، مما يزيد من الإحساس بالخطر والضغط النفسي أثناء عبور هذه المناطق القاسية. هذه اللمسة الدقيقة تضفي عمقًا بصريًا وواقعيًا مذهلًا يعزز الانغماس الكامل في عالم اللعبة الساحر.

تفاعل الرمال

Death Stranding 2

من بين أروع التفاصيل الدقيقة التي تزين اللعبة هي الطريقة التي تتفاعل بها الرمال والغبار مع الماء بشكل واقعي للغاية. فعندما يعبر سام الأنهار أو المسطحات المائية، تُغسل الرمال تدريجيًا من على جسده، ولكن الأجمل من ذلك هو أن المناطق التي لا تلامس الماء تبقى ملطخة بالرمال، مما يخلق مشهدًا واقعيًا ومثيرًا للدهشة في آنٍ واحد. على سبيل المثال، إذا انغمس سام في النهر حتى خصره فقط، ستُغسل قدماه وساقاه تمامًا، بينما يبقى بقية جسده – كالرأس أو الكتفين أو الظهر – مغطى بالغبار. هذا التباين الجلي بين الأجزاء النظيفة والمبللة وتلك التي لا تزال تحمل آثار الرمال يضيف لمسة واقعية دقيقة تُظهر إلى أي مدى بلغ المطورون في محاكاة البيئة بكل تفاصيلها. هذه التفاصيل ليست مجرد مؤثرات سطحية، بل تُعزز إحساس اللاعب بأن كل خطوة وكل تفاعل مع العالم من حوله له وزن وتأثير بصري منطقي، مما يرفع من مستوى الانغماس إلى أقصى درجاته.

حروق الشمس

من اللمسات الرائعة التي تستحق الإشادة هي التأثيرات الواقعية للتعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة. فإذا قضى سام وقتًا طويلاً تحت أشعة الشمس المباشرة، يبدأ جلده بالتأثر تدريجيًا، وتظهر عليه علامات حروق الشمس بشكل واضح، خاصة في مناطق مثل الجبين والخدين، حيث يلاحظ اللاعب احمرار الجلد وتغير لونه مع مرور الوقت. هذا ليس بالأمر المستحدث تمامًا على السلسلة، حيث شهد الجزء الأول تفاصيل مماثلة، مثل إمكانية الإصابة بقضمة الصقيع في المناطق الجليدية. ولكن الجديد هنا هو مستوى الواقعية والدقة في التأثير، الذي يجعل شخصية سام تتفاعل مع البيئة المحيطة بشكل أقرب إلى ما نشهده في العالم الحقيقي. هذه اللمسة تضفي بعدًا إنسانيًا على الشخصية وتذكر اللاعب بأن البيئة المحيطة ليست مجرد خلفية، بل هي عنصر فعال يؤثر ويتأثر بكل ما يدور حوله. فكل دقيقة تقضيها تحت أشعة الشمس قد تترك أثرًا، مما يحفز اللاعبين على التفكير الاستراتيجي في توقيت تنقلهم وأماكن الراحة قبل الإقدام على أي خطوة غير مدروسة.